فصل: الفصل الثاني والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الثاني والأربعون:

يا من قد أسره الهوى فما يستطيع فكاكًا، أفق قبل الومى، وها هو قد أدركك إدراكًا قبل أن لا ينفع البكاء الباكي ولا التباكي من تباكى.
لأبي العتاهية:
بَليتَ وما تَبْلَى ثيابُ صِباكا ** كفاكَ نذير الشيبِ فيك كفاكا

ألم ترَ أنَّ الشيبَ قد قامَ ناعيًا ** مقامَ الشباب الغَضِّ ثم نعاكا

ولم تر يومًا مر إلا كأنه ** بإهلاكه للهالكين عناكا

ألا أيها الفاني وقد حان حينه ** أتطمع أن تبقى فلست هناكا

تسمَّع ودعْ من أفسد الغي سمعه ** كأني بداعٍ قد أتى فدعاكا

ورب أمان للفتى نصبت له ** المنية فيما بينهن شراكا

أراك وما تنفك تهدي جنازة ** ويوشك أن تهدي هديت كذاكا

ستمضي ويبقى ما تراه كما ترى ** وينساك من خلفته هو ذاكا

ألا ليت شعري كيف أنت إذا القُوى ** وهبْ وإذا الكرب الشديد علاكا

تموت كما مات الذين نسيتهم ** وتُنسى ويهوى الحي بعد هواكا

كأن خطوب الدهر لم تجر ساعة ** عليك إذا الخطب الجليل أتاكا

ترى الأرض كم فيها رهون دفينة ** غلقن فلم يقبل لهن فكاكا

كم سكن قلبك في هذه الدار، فحام الموت حوم حماهم ودار، ثم ناهضهم سريعًا وثار، كأنه ولي يطلب الثأر، وقد خوفك بأخذ الصديق وسلب الجار، ومن أنذر قبل هجومه فما جار. يا هذا، العمر عمر قليل وقد مضى أكثره بالتعليل، وأنت تعرض البقية للتأويل، وقد آن أوان الآن أن يرحل التنزيل، ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن الشرا، والله ما بيع أخوة يوسف يوسف بثمن بخس، يا عجب من بيعك نفسك بمعصية ساعة، متى ينتهي الفساد؟ متى يرعوي الفؤاد؟.
يا مسافرًا بلا زاد، لا راحلة ولا جواد، يا زارعًا قد آن الحصاد، يا طائرًا بالموت يصاد، يا بهرج البضاعة أين الجياد؟ يا مصاب الذنوب أين الحداد؟ لو عرفت المصاب فرشت الرماد، لو رأيت سواد السر لبست السواد، جسمك في واد وأنت في واد، نثر الدر لديك وما تنتقي، وقربت المراقي إليك وما ترتقي، لقد ضيعت ما مضى وشرعت في ما بقي، يا واقفًا في الماء الغمر وما ينقى.
إن قلت قم قال رجلي ما تطاوعني ** أو قلت خذ قال كفى ما تواتيني

واعجبًا لنفاسة نفس رفعت بسجود الملك لها، كيف نزلت بالخساسة حتى زاحمت كلاب الشره، على مزابل الذل، هيهات لن تفلح الأسد إذا أنفقت عليها الميتات الفسد.
يا هذا، جسدك كالناقة يحمل راكب القلب، فلا تجعل القلب مستخدمًا في علف الراحلة، تالله إن جوهر معناك يتظلم من سوء فعلك، لأنك قد ألقيته في مزابل الذل، ماء حياتك في ساقية عمرك قد اغدودق، فهو يسيل ضايعًا إلى مهاوي الهوى، وينسرب في أسراب البطالة، فقد امتلأت به خربات الجهل ومزابل التفريط، وشربته أدغال الغفلات، ويحك، أردده إلى مزارع التقوى لعله يحدق نور حديقة، إلى متى يمتد ليل الغفلة؟ متى تأتي تباشير الصباح؟
هل الدهر يومًا بوصل يجود ** وأيامُنا باللوى هل تعودُ

زمان تقضي وعيش مضى ** بنفسي والله تلك العهود

ألا قل لكان وادي الحبيب ** هنيئًا لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضًا ** فنحن عطاشى وأنتم ورود

لما سبق الاختيار لأقوام في القدم، جذبوا بعد الزلق في هوة الهوى إلى نجاة النجاة، يا عمر، كيف كانت حالك؟ قال: كنت مشغولًا بهبل فسمعت هتاف {ففِرُّوا إلى الله} فعرجت على المنادي، فإذا أنا في دار الخيزران يا فضيل، من أنت؟ قال: أخذت من قطع الطريق، فأخذت في قطع الطريق، يا عتبة الغلام، من أنت؟ قال: كنت عبد الهوى فحضرت مجلس عبد الواحد، فصرت عبدًا للواحد يا سبتي من أنت؟ قال كنت ابن الرشيد فعرض لي رأي رشيد فإذا عزمي قد أخذ المر ومر، يا ابن أدهم، من أنت؟ قال أخذني حبه من منظرتي فصيرني ناطور البساتين. يا رابعة، من أنت؟ قالت: كنت أضرب بالعود فما سمع غيري.
بالله يا ريح الصبا ** مري على تلك الربا

وبلغي رسالة ** يفضها أهل قبل

واحربا وهل يرد ** فاتيا واحربا

يا طفلًا في حجر العادة محصورًا بقماط الهوى، مالك ومزاحمة الرجال؟ تمسكت بالدنيا تمسك المرضع بالظئر، والقوم ما أعاروها الطرف، ما لك والمحبة وأنت أسير حبة؟ كم بينك وبينهم؟ وهل تدري أين هم؟.
سلام على تلك المعاهد إنها ** شريعة وردي أو مهب شمالي

ليالي لم نحذر حزون قطيعة ** ولم نمش إلا في سهول وصال

فقد صرت أرضى من سواكن أرضها ** بخلب برق أو بطيف خيال

سار القوم ورجعت، ووصلوا وانقطعت، وذهبوا وبقيت، فإن لم تلحقهم شقيت.
لبس البياض بذات عرق معشر ** ولبست من حزن ثياب حداد

وصلوا إلى عرفات يبغون الرضا ** وبقيت منكسرًا ببطن الوادي

رفعوا أكفهم وضجوا بالدعا ** وضممت من كمد يدي بفؤادي

يا من كلما استقام عثر، يا من كلما تقرب أبعد، استسلم مع الحرية واستروح إلى دوام البكاء وصح بصوت القلق على باب دار الأسف.
ليس لي فيك حيلة ** غير صبري على القضا

وبكائي على الوصال ** الذي كان وانقضى

ليتني تبت توبة ** وقضى الله ما قضى

.الفصل الثالث والأربعون:

يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.
للمهيار:
خاطرْ فإما عيشةٌ حرةٌ ** يُرغدُها العزُّ وإما الحِمامْ

زاحمْ على باب العلى واجتهد ** لا بد أن تدخل بين الزِّحامْ

رام بها الليل فما يُسفر ** المصباح إلا عن نقابِ الظلامْ

مَوارقًا عن عُقْل أشطانها ** مروقَ فوق السهم عن قوسٍ رامْ

ميِّزْ من الناس على ظهرها ** نفسك لا ميزة تحت الرخامْ

من طلب الغايةَ خطوًا على ** ظهر الهوينا رامَ صعبَ المرامْ

لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن، وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور الزمن، يا مغرورًا بخضراء الدمن، يا جامعًا مانعًا قل لي لمن؟ كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.
يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة، من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز، لله در أقوام تأملوا الوجوب ففهموا المقصود، فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم، والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم.
قال الإمام أحمد لقد رأيت أقوامًا صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.
وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي.
إذا ما الخيام البيض لاحت لدى منى ** فعرج فأنا بعدها بقليل

ترانا لدى الأطناب صرعى من الهوى ** نكفكف دمعًا لافتقاد خليل

وكم أنه أردفتها بتنفس ** وكم عبرة أتبعتها بعويل

قفوا وانظروا ذلي وعز معذبي ** تروا عجبًا من قاتل وقتيل

عملت في قلوبهم معاول الحزن معًا، فانبعثت من كل ركية، ركية ماء أسي، فجرى من طرف طرفين ماء فجرى وسخًا فغسل وسخًا.
قد كنت أطوي على الوجد الضلوع ولا ** أبدي الهوى وأسوم القلب كتمانا

فخانني الصبر إذ ناديته ووفت ** لي الشؤون فعاد السر إعلانا

أكتم الوجد والعينان تظهره ** للحب أعظم مما رمته شانا

قال أبو عمران الجوبي: أرتني أمي موضعًا من الدار قد انحفر، فقالت: هذا موضع دموع أبيك.
وكان حسان بن أبي سنان: يحضر مجلس مالك بن دينار، فيبكي حتى يبل ما بين يديه ولا سمع له صوت. للمتنبي:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طللِ ** دعا فلبَّاه قبل الركب والإبلِ

ظللت بين أصيحابي أكفكفه ** فظل يسفح بين العُذر والعَذلِ

وما صبابة مشتاق له أمل ** من اللقاء كمشتاق بلا أمل

دموع المحبين، غدران في صحاري الشوق، من عادة القوم ألف البراري والجلوس إلى الشجر فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن نايح.
شوقي إليك مجاوز وصفي ** وظهور وجدي دون ما أخفي

ما دار ذكر منك في خلدي ** إلا طرفت بمدمعي طرفي

إذا تمكنت المحبة استحال السلو، تعلقت يد المحبة بتلابيب القلب فلا يمكنه التخلص، فيدور معها في دار المداراة.
ليكفكم ما فيكم من جوى نلقى ** فمهلًا بنا مهلًا ورفقًا بنا رفقا

وحرمة وجدي لا سلوت هواكم ** ولا رمت منه لا فكاكًا ولا عتقا

وهل للمحب قلب، هيهات مزقته المحبة، براثن أسود في شلو ضعيف، على شدة جذب مع وام التقليب.
إن ترحلت أو أقمت فعندي ** فيض دمع يجري ووجد مقيم

وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى ** وغرامي ذاك الغرام القديم

انكشف اليوم الستر، افتضح العاصي والعارف.
لتوبة:
خليلي قد عم الأسى وتقاسمت ** فنون البلى عشاق ليلى ودورها

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ** فقد رابني منها الغداة سفورها

وقع الحريق في زوايا المجلس رشوا عليه من مزاد الدمع، يا كثيف الطبع بيض الحمام يفرق من صوت الرعد ولا حس له، أفميت أنت وهذه الصواعق حولك؟
لو ترى العاشقين في مأتم الذل ** وقد شققت جيوب الوصال

لعذرت الذي بلى بقراق ** ورحمت المحب في كل حال

هبت اليوم نسمة من أرض كنعان إلى مصر، غنت حمامات اللوى في أرض نجد، تنفس المشتاق فانقشع غيم الهجر، سعى سمسار المواعظ في الصلح.
للغزي:
هبت لنا وبرود الليل أسمال ** ريح لها من جيوب الوصل أذيال

مرت بسفح اللوى والشح متشحٍ ** بلؤلؤ الطل والجرباء معطال

مريضة في حواشي مرطها بللٌ ** يهدي لكل مريض منه أبلال

دع جمرة لسويدا القلب محرقة ** يا لائمي ثم قل لي كيف احتال

حدثت عن منحني الوادي وساكنه ** كرر حديثك لا حالت بك الحال

وامزج بماء المنى قلت من خبر ** فإن أخبار ذاك الحي جريال